• 2022-06-19

شيخوخة المؤسسات والتنظيمات

لطالما سمعنا عن وصول الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة باعتباره كائناً حياً، ومن سنن الله في خلقة أن يمر الإنسان بمراحل عمرية حتى يصل إلى مرحلة الشيخوخة ثم إلى نهاية عمره.
أما عندما نسمع من يقول إن المؤسسات والتنظيمات لها مراحل عمرية تصل بها إلى مرحلة الشيخوخة ثم إلى الانتهاء! فهذا ما يصيبنا بالدهشة والتعجب. غير أن هذه الدهشة تتلاشى حينما نعود إلى سنن الله في كونه وأنَّ "كلُّ مَن عليها فان". أي إن كل ما بدأ فإنه ينتهي، وكل ما علا فإنه يهبط ويسقط، وكل ما يتسع يضيق ويتلاشى، وكل ما يقوى يضعُف.
وبالطبع هذا يخص كيان المؤسسات والتنظيمات وليس الأفكار والمبادىء والقيم؛ حيث لا يجري عليها سياق هذه المراحل العمرية وخاصة إذا كانت متوافقة مع الفطرة الإنسانية ومنسجمة مع نواميس الكون، وهي قد تنحسر لكنها لا تموت وخير مثال على ذلك: الحضارة الإسلامية.
نعم إن كل كيان يتشكل ويتكون ويقوى ثم يبدأ في الضعف حتى يصل الي مرحلة الشيخوخة، فالمؤسسات والتنظيمات مثل بقية المخلوقات تولد وتموت بعدما تمر بمراحل حياتية. وقد تواتر في علم الإدارة وخاصة إدارة المنظمات والسلوك التنظيمي أن المؤسسات والتنظيمات تمر بمراحل عمرية تبدأ بمرحلة التأسيس وهي بمثابة مرحلة الطفولة حيث كثرة الرغبات وضعف الإمكانيات.
وبمرور الزمن وتَوالي الأحداث تتقادم تلك المؤسسات والتنظيمات ثم تظهر عليها مظاهر الكهولة لتصل لاحقاً إلى مرحلة الشيخوخة؛ وعندها يضعف الهيكل التنظيمي وتقل سيطرته على العاملين وبموازاة ذلك يزداد التمسك بالمناصب والمسميات الوظيفية على حساب الإنجاز والرسالة وتحقيق الأهداف، فيما يصل جمهور الكيان إلى مرحلة الإشباع وعدم الإقبال ثم التَّفَلُّت، وسرعان ما تعلو المشكلات الفردية على المصلحة العامة، وتتفكك أجزاء من تلك المؤسسة أو التنظيم وتظهر الانشقاقات ويتجذر الاختلاف السلبي ويتغذى من النزاعات الشخصية؛ وتصحب ذلك كثرة المخالفات دون حساب أو متابعة، ويشيع مناخ من التبريرات الفلسفية والسفسطة الكلامية والتمجيد أو التحسر على الماضي ودون أنْ ترافق ذلك خطوة واحدة للإنجاز وتحقيق الأهداف، وفي الوقت نفسه يحصل اغتصاب لكل ما هو مضيء من ماض مشرق للمؤسسة أو لأفرادها، وفي آخر تلك المرحلة يسود مناخ من التخوين والاتهامات الشخصية.
ومع ذلك فإن من ثوابت علم إدارة المنظمات أنه إذا تدخلت مجموعة من الأفراد بمواصفات معينة تحتاجها المرحلة العمرية لتلك المؤسسة والتنظيم، أو جدَّدت القيادة من نفسها، فإن هذه المؤسسة أو التنظيم سيستعيد شبابه مرة أخرى ويسترد قوته في السوق ولدى جمهوره، ومن ثم تنتعش الهياكل ويتحسن المناخ العام لدى العاملين، وتُبتكَر الوسائل والأنشطة وتزداد الأرباح وتنتشر الأفكار المستحدثة ويزداد الجمهور لدى التنظيم.
هذا ويستمر تطور المؤسسة أو التنظيم مع استمرار مثل هذه القيادة، إلى أن تصل القيادة إلى حالة من الضعف فحينها تُطل مرحلة الشيخوخة برأسها مرة أخرى لتُخيِّم على الكيان وتبدأ علامات الكهولة في التَّشَكُّل وتغلف الشيخوخة أركان المؤسسة أو التنظيم إلى أن تأتي مجموعة إنقاذ مجدداً فتبعث فيها الحيوية والقيام وإذا لم يحصل ذلك فإن التنظيم ينهار والمؤسسة تتبدد.
فهلّا نشطت القيادة وجدَّدت من نفسها حتى تظل المؤسسة أو التنظيم شامخين يؤتيان أكلهما كل حين؟
ومن هنا نقول "تَجَدُّد أم تَبَدُّد؟".

آخر أخبار د.علي عبدالغفار

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • إدارة الأسرة قبل إدارة الشركة

    2022-10-16

    ذهبت الزوجة إلى زوجها مدير الشركة، وعند دخولها مكتبه توقفت باندهاش أمام مشهد عجيب لم تره منذ زمن بعيد، فقد رأت زوجها مدير الشركة جالساً مع مجموعة من العاملين يسمع لهم ويناقش مشاكلهم ويمازحهم. وفي حالة أخرى ذهب الولد إلى أبيه مدير الشركة، وفجأة انزوى...

  • إدارة الذات قبل إدارة المؤسسات

    2022-09-16

    لو سألت مدير شركة أو مؤسسة عن معلومات وبيانات شركته لَأفاض عليك وزيادة بتقارير شفوية وأخرى مكتوبة، لكنه يقف ولا يحرك ساكناً حينما تسأله عن معلومات حول شخصيته، وعن معرفة ذاته وعن ميوله ونقاط قوته وضعفه، ولسان حاله يقول "من أين أُحضِر لك هذه المعلومات ...

  • نمط الإدارة ونجاح المؤسسات

    2022-07-19

    يكفي أن تبلغني عن كون هذه المؤسسة ناجحة أو خاسرة حتى أرد عليك وأنا في مكتبي عن طريقة ونمط الإدارة والممارسات الإدارية التي تتم داخل تلك المؤسسة، وهذا ليس سحراً ولا ادعاء الغيب لكنه علم؛ حيث إن كل شيء له دلالاته ومؤشراته التي تُنبىء بالنتيجة، فالنجاح ...

  • الروتين المظلوم

    2022-05-18

    دائماً ما يردد البعض القول.. "الروتين ممل، اللي نصبح فيه نِبَات فيه، الروتين يقتلني، أنا أصبحت أكره الروتين"، هذه كلمات نسمعها ذماً وسبَّاً في (الروتين)، ومعنى الروتين: هو التَّعَوُّد على عمل ما أو إجراء مكرر، وهي كلمة أصلها فرنسي وتعني تكرار عمل أو ...